كثيرا ما ننظر إلى قوة الاحتكاك على أنها قوة مبددة ، ومعيقة لحركة الأجسام ،وعندما نحسب الشغل المبذول ضد الاحتكاك نعتبره شغلا ضائعا ونحاول في الكثير من التصاميم الميكانيكية تقليل قوى الاحتكاك إلى أقل قدر ممكن بغية أداء أفضل للآلات والماكينات ولكن.. هل الاحتكاك ضار إلى هذا الحد؟ وما الذي سيحدث لو أن الاحتكاك في لحظة ما قد اختفى من العالم، أي أصبح صفرا ... دعنا نرسم صورة لما يحدث للتو بعيد تلك اللحظة، ولنر ما سيلاحظه مشاهد يتابع بوسائله الخاصة من خارج الكرة الأرضية
في تمام الساعة س من يوم ص وبينما كنت أراقب سير الأمور في مدينة م وكنت تحديدا أراقب تقاطعا للسير في شمالي المدينة، لاحظت أن السير بقي مستمرا في مسرب واحد مع أن اٌلإشارة أغلقت وفتحت إشارة أخرى مقابلة، كانت السيارات تتدفق كما لو أنها لم تر إغلاق إشارة المرور، وكانت السيارات في المسرب الآخر متوقفة كما لو أنها لم تر فتح إشارتها ، وتابعت بنظري تلك السيارات التي استمرت متجاوزة الإشارة الحمراء، فإذا هي لم تنعطف مع الشارع الذي يلي الإشارة بل استمرت في خط مستقيم داخلة في العمارة الواقعة على المنعطف . وكان صوت تحطمها وتهشم واجهة العمارة عاليا وكانت السيارات لا تبدي أي مظهر ينم عن أن هناك مشكلة عند سائقيها فقد كانت تضرب المبنى كما لو كانت سلسلة قذائف موجهة نحو ذلك المبنى المسكين
أشحت بوجهي أسفا واستغرابا من هذا المنظر المروع لأرى منظرا أشد غرابة فقد كان المشاة على الرصيف المجاور ينزلقون على الشارع وعلى الرصيف كما لو كانت تحتهم طبقة من الصابون أو الجليد، وكان بعضهم يرتطم بالبعض الآخر ليسقط الجميع ولكن ليس ليسكنوا بل ليواصلوا الانزلاق على الأرض حتى يرتطم أحدهم بالآخر أو بجدار فيرتد ثانية!! أمر عجيب. وعلى مقربة من المكان كان صبي جالس على الأرض يحاول الإمساك بكرة قدم لكنها كانت تنزلق من بين يديه كما لو كانت مطلية بالشحم ويعيد المحاولة ولكن لا جدوى، ورأيت الكثيرين غيره ممن جلسوا على الأرض يحاولون الإمساك بأشياء لينهضوا ولكن لافائدة فالانزلاق هو سيد الموقف، وحزنت على ذلك العجوز الذي يحاول تثبيت عصاه على الأرض بشكل عمودي ليتوكأ عليها وينهض ولكن يده تنزلق عنها كما لو كان يمسح عليها بيده ولا يتشبث بها بكل قوته، وبعد قليل، لم أعد أرى شيئا ساكنا في الشارع، فكل ما تقع عليه العين من الأشياء السائبة يتحرك إما لأنه كان متحركا أصلا أو لأنه اصطدم بشئ متحرك فدفعه للحركة، حتى ذلك العجوز المسكين طارت عصاه بعيدا عندما صدمه شاب يتحرك جالسا لا يستطيع إيقاف نفسه وأصبح هو والعجوز يتحركان على الأرض ملوحين بيديهما لا يلويان على شيء
وبدأت أوازن الأمور في ذهني وحولت نظري صوب ركن آخر من المدينة، كانت مجموعة من الأغنام المربوطة في حظيرة قد أفلتت منذ زمن، ذلك أن حبالها قد انحلت بكل سهولة لدى أبسط جذبة من هذه الأغنام فانطلقت هائمة وبدأت تصدم إحداها الأخرى ما إن خرجت الى الشارع لأنها لم تستطع التوقف. أما في الميناء القريب فقد كان الخطب أشد إذ إن السفن التي كانت قد ربطت بحبال غليظة إلى رصيف الميناء قد أصبحت حرة وبدأت تبتعد عن الرصيف شيئا فشيئا مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الناس الذين كانوا على السلالم يعبرون من وإلى تلك السفن كما اصطدمت سفينتان أحدث ارتطامهما ارتجاجا قويا على ظهر كل منهما أدى إلى تحطم بعض المعدات فيهما ونشب حريق لم يكن متوقعا في إحدى السفن بسبب انفلات بعض الأنابيب التي تحمل الوقود إلى أجزاء من السفينة. وسمعت صوت انفجار في منطقة المطار وكانت كارثة كبيرة قد حدثت في المطار من جراء تحطم طائرة ضخمة كانت قد بدأت بالهبوط ولكن في اللحظة التي بدأت فيها إنزال العجلات اندفعت فجأة بسرعة أكبر من المعتاد فضربت الأرض قبل إنزال العجلات ولم تتوقف بل ظلت تنزلق على مدرج المطار وبخط مستقيم حتى دخلت في أحد المباني البعيدة الذي وصلته انزلاقا على بطنها في حين كانت النيران تشتعل فيها بعد الانفجار، وعدت بنظري إلى المدينة التي كانت تغطيها بعد قليل سحب من الدخان وألسنة اللهب تتصاعد منها فيما دوي الانفجارات يتواصل كما لو كانت ساحة حرب
وبعد مرور عدة ساعات هدأ كل شيء وانجلى الدخان وعدت أتفقد الخسائر والأضرار فكان وسط المدينة الذي تشرف عليه الجبال من جميع النواحي ممتلئا بمزيج عجيب من الأشياء من بينها صخور وهياكل سيارات وأجزاء من بنايات وجثث آدمية محطمة وكميات من التراب وقطع الأثاث، فيما كانت جوانب الجبال عارية من التراب تقريبا وكثير من البنايات المقامة عليها قد انزلقت إلى الأسفل وتحطمت أو هدم جزء منها بسبب انزلاق أجسام عليها من أماكن فوقها، ولم يكن هناك أي شيء متحرك حركة انتقالية، ولكن كان هناك الكثير من الأشياء التي تدور وخاصة عجلات السيارات المنقلبة فقد بقيت تدور ولمدة طويلة دون أي تباطؤ، وأجلت ناظري في مدن أخرى مجاورة وفي مناطق أخرى فلم أجد سوى مظاهر الدمار
كان هذا المشهد منقولا من عالم تلاشت فيه فجأة قوة الاحتكاك، مما أدى إلى استمرار الأجسام المتحركة في الحركة بخط مستقيم وبنفس السرعة إلى أن ترتطم بجسم يوقفها أو يجععلها ترتد عنه ، وانحل رباط الحبال الذي يعتمد أساسا على وجود قوة الاحتكاك فيها وأفلتت أنابيب الوقود التي ثبتت أطرافها داخل بعضها اعتمادا على الاحتكاك، حتى السير السوي للإنسان على الطريق يعتمد على الاحتكاك والدليل عدم قدرة الإنسان ان يسير سويا على أرض زلقة أو على الجليد
والآن هل رأيتم كم هي نعمة قوة الاحتكاك في حياتنا اليومية. أرجو الله أن يديم لنا قوة الاحتكاك ولا يحرمنا منها